حضرة بهاء الله صاحب الرسالة الإلهية (١٨١٧-١٨٩٢)

جويلية 6, 2011

 

“وإنما الوجه الذي رأيته، لا أنساه ولا يمكنني وصفه، مع تلك العيون البرّاقة النافذة التي تقرأ روح الشخص. وتعلو جبينه الوَضّاح العريض القدرة والجلال… فلم أك إذ ذاك في حاجة للسؤال عن الشخص الذي امتثلت في حضوره، ووجدت نفسي منحنياً أمام من هو محطّ الولاء والمحبة التي يحسده عليهما الملوك، وتتحسر لنوالهما عبثاً الأباطرة!”

بهذه الكلمات وصف المستشرق إِدوارد غِرانفيل براون، الأستاذ بجامعة كمبريدج، حضرة بهاء الله حين تشرف بزيارة حضرته عام ١٨٩٠ في سجن عكا في فلسطين. وكان حضرة بهاء الله حينها رهين السجن طال نفيه عن وطنه لمدة قاربت الأربعين عاماً، وكانت رسالته آنذاك يحيط بها الغموض بسبب القيود المفروضة عليها، والدعوات المغرضة التي يطلقها أعداؤها. أما اليوم فيعترف الملايين من أتباعه المؤمنين في أرجاء العالم كافة بأنه صاحب الرسالة الإلهيّة لهذا العصر والمربّي الرّوحي لأهل هذا الزمان. ويعتقد البهائيون أنَّ الله سبحانه وتعالى يبعث برسله في فترات مختلفة من التاريخ فيؤسّس هؤلاء، كما فعل موسى وإبراهيم وعيسى ومحمد وكرشنا وبوذا عليهم السلام، أَديانَ العالم ونظمه الروحية. إنّه الخالق الودود يبعث برسله الينا كي نتمكن من التعرف عليه والتعبد لديه بحيث نتمكن من بناء حضارة إِنسانية دائمة التقدم فيما تحقّقه من انجازات عظيمة.

إِنَّ مقام رسل الله ومظاهر أمره مقامٌ فريد متميّز في عالم الخلق. فرسل الله ومظاهر قدرته يتمتعون بطبيعة ثنائية إِنسانيّة وإلهيّة في آن معاً دون أنْ يكونوا في مقام الله سبحانه وتعالى، وهو الخالق المنزّه عن الادراك. وفي هذا المجال كتب حضرة بهاء الله في وصف الله سبحانه وتعالى ما يلي:

“إنَّه لم يزل ولا يزال كان متوحّداً في ذاته ومتفرّداً في صفاته وواحداً في أفعاله وإنَّ الشبيهَ وَصْفُ خلقه والشريكَ نعتُ عباده، سبحان نفسه من أَنْ يوصف بوصف خلقه، وإنَّه كان وحده في علوّ الارتفاع وسموّ الامتناع ولن يَطِرْ إلى هواء قدس عرفانه أطيار أفئدة العالمين مجموعاً، وإنَّه قد خلق الممكنات وذَرَأ الموجودات بكلمة أمره.”

إِضافةً إلى ذلك يوجّه حضرة بهاء الله هذا الدعاء إلى الله سبحانه وتعالى فيقول:

“سبحانك سبحانك من أنْ يقاس أمرك بأمر أو يرجع اليه الأمثال أو يُعرف بالمقال، لم تزل كنت وما كان معك من شيء ولا تزال تكون بمثل ما كنت في علوّ ذاتك وسموّ جلالك، فلما أردتَ عرفان نفسك أَظهرتَ مظهراً من مظاهر أمرك وجعلته آية ظهورك بين بريّتك ومظهر غيبك بين خلقك…”

وفي شرحه للعلاقة القائمة بين المظهر الإلهي والخالق السماوي استخدم حضرة بهاء الله مَثَل المِرآة، فالمِرآة تعكس نور الشمس، تماماً كما تعكس المظاهر الإلهيّة نور الله، وكما أنّه لا يمكن مقارنة الشمس بالمِرآة، كذلك لا يمكن مقارنة المظهر الإلهي بالحقيقة الإلهيّة:

“إنَّ هذه المرايا القُدُسية… كلّها تحكي عن شمس الوجود تلك، وذلك الجوهر المقصود، فَعِلْمُ هؤلاء مثلاً من علمه هو، وقدرتهم من قدرته، وسلْطنتهم من سلْطنته، وجمالهم من جماله…”

إنَّ رسالة حضرة بهاء الله لهذا العصر هي في الأَساس رسالة العدل والوحدة والاتّحاد، فقد كتب يقول: “أحبُّ الأشياء عندي الإنصاف،” وكرّر القول في موضعين آخرين بأن “العالم وطن واحد والبشر سكّانه”  وبأنَّه “لا يمكن تحقيق إصلاح العالم واستتباب أمنه واطمئنانه إلاّ بعد ترسيخ دعائم الاتِّحاد والاتِّفَاقِ.” هذا ما وصفه الرّحمن من دواء ناجع لشفاء علل العالم.

ورغم أنَّ مثل هذه التصريحات والبيانات أَصبحت اليوم جزءاً لا يتجزأ مما يفكّر به عموم الناس، فَلَنا أنْ نتصور كيف باغتت هذه الآراء والأفكار شخصاً مثل إِدوارد غِرانفيل براون حين وجّه اليه حضرة بهاء الله هذه الكلمات في تصريحه الرائع حيث قال:

“الحمد لله إذ وصلتَ… جئتَ لترى مسجوناً ومنفيّاً… نحن لا نريد إلاّ إصلاحَ العالم وسعادة الأمم، وهم مع ذلك يعتبروننا مثيرين للفتنة والعصيان، ومستحقين للحبس والنفي… فأي ضرر في أنْ يتّحد العالم على دين واحد وأنْ يكون الجميع إخواناً، وأن تُستَحكَم روابط المحبّة والاتحاد بين بني البشر، وأنْ تزول الاختلافات الدينية وتُمحى الفروق العِرقية؟ …ولا بدّ من حصول هذا كلّه، فستنقضي هذه الحروب المدمرة والمشاحنات العقيمة وسيأتي الصلح الأعظم…”

وُلد حضرة بهاء الله في بلاد فارس في القرن التاسع عشر في أسرة عريقة مرموقة الجانب، وكان من البديهي أنْ يجد نفسه في بُحبوحة من العيش وقسط وافر من الثراء. إلاّ أنّه ومنذ زمن مبكّر لم يُبدِ اهتماماً بالسير على خُطى والده والدخول إلى بلاط الشاه، مُؤثِراً أن يصرف جُلّ وقته وإمكاناته في رعاية الفقراء والحدب عليهم. وفيما بعد سُجن حضرة بهاء الله وتم نفيه نتيجة اعترافه بدين حضرة الباب الذي قام يبشّر بدعوته عام ١٨٤٤ في بلاد فارس، وهو الذي كان مُقدّراً له أنْ يحقّق ما جاء به الإسلام من الوعود والنبوءات.

أشار حضرة الباب في آثاره إلى قرب مجيء الموعود الذي بشّرتْ به الأديان العالمية كلّها، فكان أنْ أعلن حضرة بهاء الله بأنَّه ذلك الموعود المنتظر، فخصّ العصر الذي شهد مجيء رسالته بهذا التمجيد والثناء: “إن هذا اليوم هو سلطان الأيّام جميعها، إنّه يوم ظهر فيه محبوب العالم، ومقصود العالمين منذ أزل الآزال.” وفي مناسبة أخرى يضيف قائلاً: “قل إنيّ أنا المذكور بلسان الإشعيا وزُيّنَ باسمي التوراة والإنجيل.” أمّا في حقّ نفسه فقد صرح مؤكدا: “إنَّ قلم القدس قد كتب على جبيني الأبيض بنور مبين أنْ يا ملأ الأرض وسكان السماء هذا لهو محبوبكم بالحقّ وهو الذي ما رأت عين الإبداع شبهه والذي بجماله قرّت عين الله الآمر المقتدر العزيز.”

وأَما بخصوص رسالته فقد قال:

“فلمّا انقلبت الأكوان وأهلها والأرض وما عليها كادت أَنْ تنقطع نسمات اسمك السبحان عن الأشطار وتَركُد أرياح رحمتك عن الأقطار. أقمتَني بقدرتك بين عبادك وأمرتني باظهار سلطنتك بين بريّتك. قمتُ بحولك وقوّتك بين خلقك وناديتُ الكلّ إلى نفسك، وبشّرتُ كلَّ العباد بألطافك ومواهبك ودعوتُهم إلى هذا البحر الذي كلُّ قطرة منه تنادي بأعلى النداء بين الأرض والسماء بأنه محيي العالمين ومُبعِثُ العالمين ومعبود العالمين ومحبوب العارفين ومقصود المقرَّبين.”

وعَرَفَ حضرة بهاء الله أول ما عرف تباشير الظهور الإلهي أثناء الفترة الأولى في السجن، فوصف تجربته تلك بهذه الكلمات:

“وبالرّغم من أنّ النوم كان عزيز المنال من وَطْأة السلاسل والروائح المنتنة حين كنت رهين سجن أرض الطاء [طهران] إلاّ أَنَّني كنت في هَجَعاتي اليسيرة أُحسّ كأنّ شيئاً يتدفق من أعلى رأسي وينحدر على صدري كأنّه النهر العظيم ينحدر من قُلَّة جبل باذخ رفيع إلى الأرض فتلتهب جميع الأعضاء. في ذلك الحين كان اللّسان يرتّل ما لا يقوى على الإصغاء إليه أحد.”

وخلال السنوات الطويلة التي قضاها في السجن أنزل حضرة بهاء الله من الآيات الإلهيّة ما يقع في أكثر من مائة سِفْرٍ مجلّد. فأفاض علينا قلمه المبارك مجموعة من الألواح والبيانات احتوت الكتابات الصوفية، والتعاليم الاجتماعية والأخلاقية، والأوامر والأحكام، بالإضافة إلى إعلانٍ واضح صريح لا لبس فيه عن رسالته وَجَّهَه إلى الملوك ورؤساء الدول وحكامها في العالم، بمن فيهم نابليون الثالث، والملكة فكتوريا، والبابا بيوس التاسع، والشاه الفارسي، والقيصر الألماني ويلهلم الأول، والامبراطور فرانسس جوزيف النمساوي، وآخرون.

إنَّ مفهوم الطبيعة الإنسانيّة في رسالة حضرة بهاء الله يقوم على التأكيد على كرامة الإنسان وما فُطر عليه من خُلُقٍ نبيل. وفي أحد آثاره المباركة يخاطب حضرة بهاء الله الإنسان بلسان الحقّ فيذكّره بمنشأه ومنتهاه: “يا ابن الروح! خلقتك عالياً، جعلتَ نفسك دانية، فاصعد إلى ما خُلقتَ له.” ويصرّح في موضع آخر: “انظر إلى الإنسان بمثابة منجمٍ يحوي أحجاراً كريمة، تخرج بالتربية جواهره إلى عَرَصة الشهود وينتفع بها العالم الإنسانيّ.” ويعود حضرة بهاء الله فيؤكد بأنَّ كلّ إنسان قادرٌ على الإيمان بالله، وكل ما هو مطلوب قَدرٌ من التجرد والانقطاع.

“وإذا ما تَطَهّر مشام الروح من زُكام الكون والإمكان، لوجد السالك حتماً رائحة المحبوب من منازلَ بعيدة، ولَوَرَدَ من أثر تلك الرائحة إلى مصر الإيقان لحضرة المنّان وليشاهد بدائع حكمة الحضرة السبحانية في تلك المدينة الروحانية… وأما تلك المدينة فهي الكتب الإلهيّة في كل عهد… وفي هذه المدائن مخزونُ ومكنونُ الهدايةِ والعنايةِ، والعلمِ والمعرفةِ، والإيمانِ والإيقانِ لكل من في السّموات والأَرضين…”

وقد وصف حضرة عبد البهاء، الإبن الأَرشد لحضرة بهاء الله ومركز عهده وميثاقه، رسالة والده بهذه الكلمات:

“تحمّل حضرة بهاء الله جميع البلايا حتى تتحوّلَ النفوس لتصبح نفوساً سماوية، وتتحلّى بالأخلاق الرحمانية، وتسعى لتحقيق الصلح الأَكبر، لتؤيَّدَ بنفثات الروح القُدُس، فتظهر الودائع الإلهيّة المخزونة في الحقيقة الإنسانيّة، وتصبح النفوس البشرية مظاهر الأَلطاف الإلهيّة، ويتحقق ما جاء في التوراة بأنَّ الإنسان قد خلق على مثال الله وصورته. خُلاصة القول بأنَّ تَحَمُّل حضرة بهاء الله لهذه البلايا ما كان إلاّ لكي تستنير القلوب بنور الله، ويُعوَّض عن النقص بالكمال، ويُستعاض عن الجهل بالحكمة والمعرفة، ويكتسب البشر الفضائل الرحمانية، ويرتقي كل ما كان أرضياً ليجد سبيله في الملكوت السماوي، ويغتني كل ما كان فقيراً ليجد عزّته أيضاً في كنوز الملكوت السماوي.”

صَعِدَ حضرة بهاء الله إلى الملكوت الأَعلى عام ١٨٩٢، وهو لا يزال سجيناً في فلسطين. وبعد مضي مائة عام على صعوده احتفلت الجامعة البهائية العالمية في عام ١٩٩٢ بالسّنة المقدسة تخليداً لتلك الذكرى المئوية المباركة. ففي شهر أيار (مايو) من ذلك العام اجتمعت في الأراضي المقدسة وفي رحاب ضريحه الطاهر وفود حافلة من آلاف البهائيين يمثلون ما يزيد على مئتي بلد ومنطقة، تعبيراً عن ولائهم له وتعظيماً لقدْره، وتبع ذلك في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من العام نفسه مؤتمر حافل في مدينة نيويورك حضره ما يقرُبُ من سبعة وعشرين ألفاً من أَتباعه. فاحتفل هؤلاء في جو من الإجلال والبهجة بذكرى إعلان حضرة بهاء الله لميثاقه المتين الذي صانَ وحدة صف المؤمنين منذ بزوغ فجر الدعوة الكريمة. كما صدر خلال ذلك العام المتميز “بيان” خاص كان الهدف منه تعريف الناس في كل مكان بسيرة حضرة بهاء الله وفحوى رسالته السمحاء.

ويجدُر بكل من أراد أنْ يزداد معرفة برسالة حضرة بهاء الله وسيرته الطاهرة، أَنْ يتمعّن في آثاره المباركة من الدعاء والمناجاة، وأنْ يتحرّى حقيقة الدعوة التي نادى بها، وإِعلانه الكريم بأَنَّه “موعود كل الأزمنة.” وعليه أخيراً أنْ يفكر ملياً في وَعْده المستقبلي حين يقول “ستنقضي هذه الحروب المدمّرة والمشاحنات العقيمة وسيأتي الصّلح الأعظم.”

منقول


تجديد النّواميس الإلهيّة

جانفي 21, 2011

تجديد النواميس الإلهية

في يوم الخميس الموافق 14 أيلول 1911

ألقى حضرة عبد البهاء

في منزل مسز روزنبرج الخطبة التّالية:

 

هو الله

        الحمد لله أن انعقد هذا المجلس في غاية اللّطف والكمال. وإنّني لآمل أن يتجلّى فيكم مقصد الكتب السّماويّة والرّسل.

        إنّ المظاهر الإلهيّة هم أوّل المعلّمين للحقيقة والمروّجين لها، فكلّما انتشرت الظّلمة في العالم وساد الجهل والغفلة أرسل الله رجلاً إلهيًّا.

فقد جاء موسى حينما كانت مصر مظلمة يحيط بها الجهل وانعدام المعرفة ويعيش أهلها في منتهى التّوحّش. وكان موسى معلّمًا إلهيًّا فعلّم الآيات الرّبانيّة. وربّى بني إسرائيل، ونجّاهم من الجهل والمذلّة، وبلغ بهم أقصى غايات العزّة فبرعوا في العلوم والفنون، وهيّأ لهم مدنيّة تامّة ونشر بينهم خزائن العالم ثمّ محيت الآثار الإلهيّة رويدًا رويدًا، وغلب على بني إسرائيل الهوى والفكر الشّيطانيّ وأحاطت بهم الظّلمة. فارتفع صوت الأحديّة مرّة أخرى. وأشرقت شمس الحقيقة، وسرت نفثات الرّوح القدس، وهطل غمام الرّحمة، وأضاءت العالم أنوار الهداية فلبس الكون لباسًا جديدًا، وأصبح الخلق خلقًا جديدًا، ونودي بوحدة البشر، وأصبح هذا العالم جنّة عليا. واتّحدت القبائل المختلفة والشّعوب المتنوّعة. وبعد مدّة نسي النّاس هذه النّواميس الإلهيّة، ومحيت هذه النّصائح الرّبّانيّة من صفحة القلوب. ولم تعد هناك تعاليم حقيقيّة. وأحاطت ظلمة الجهل وعدم المعرفة.

        والآن جاء حضرة بهاء الله وجدّد الأساس الأصليّ للدّين، وأظهر من جديد تعاليم المسيح الإلهيّة وفضائل العالم الإنسانيّ، فسقى العطشى وأيقظ الغافلين وجعل المحرومين مخازن الأسرار ونشر وحدة العالم الإنسانيّ وأعلام المساواة بين البشر.

        فعليكم إذن أن تسعوا بقلوبكم وأرواحكم، وأن تعيشوا بين جميع البشر بالمحبّة، كي يتمّ الاتّحاد الكلّيّ، وتزول التّعصّبات الغاشمة، ويتّحد الجميع.

 المرجع: خطب حضرة عبد البهاء


مناجاة

نوفمبر 28, 2010

هو الله

لک الحمد يا الهی بما کشفت الغطاء و رفعت النّقاب

عن وجه الحقيقة لعبدک المبتهل الی ملکوت رحمانيّتک ‌

المتضرّع‌ الی جبروت فردانيّتک

وهديته‌ الی معين الهدی

وسقيته کاساً دهاقاً من صهبآء الوفآء

ورفعت‌ الغشآء عن ‌الأعين ‌الرّمدآء 

حتّی رأت آياتک الکبری السّاطعة علی‌ الأرجاء

ربّ ‌ايّده علی‌ الثّبوت فی‌المنهج البيضاء

والاستقامة علی هذا النّبأ العظيم‌

الّذی نشر الجناح علی ‌الآفاق فی يوم الميثاق

انّک انت الکريم و انّک انت الرّحيم

و انّک انت الهادی لکلّ قلب سليم .

                     

 


اتفاق الدين والعلم

نوفمبر 12, 2010

إن البهائية بناء على تعاليمها الأساسية لا تقبل الخرافات والأباطيل وتعتبر أن للظواهر التى تغاير( فى أول النظر) العلوم التحقيقية حقائق تأويلية معنوية ، وان الفيت فرضا تعليمات حرفية تتناقض مع العلم والعقل السليم ولم يوجد لها تأويل صحيح ولا تفسير ينطبق على البرهان الصريح اعتبرتها البهائية مجرد أوهام ولا لوم عليها فى ذلك .

ومن تفاريع هذه القاعدة الوطيدة ان البهائيين يعتقدون ضرورة اتحاد العلم والدين وتوافقهما .

وفى الحقيقة ، ان العلم والدين او التمدن والتدين ، او التبحر فى العلوم وخدمة الله يتحدان ويتفقان فى هذه الديانة كمال التوفيق ومنتهى الامتزاج ولا ينفك فيها أحدهما عن الآخر .

أما ما يظهر من التضارب والتناقض بينهما فمنشأه عدم فهم حقيقة الدين .

وقد وقعت منازعات شديدة بين ما يسمونه بالعلم وما يسمونه بالدين فى جميع العصور السابقة وإذا نظرنا بنور اليقين إلى أسباب هذه المنازعات نراها ترجع اما إلى الجهل أو التعصب أو ضيق العقل أو الغرور أو الطمع أو العناد .

وكما يقول العلامة (هاكسلى) ان الآراء الصحيحة التى قررها الفلاسفة كانت ثمار عقولهم الناضجة بدون أن يوفقوها مع الآراء الدينية السائدة فى أيامهم فكان الحق عندهم عبارة عن محبتهم وصبرهم وانكارذواتهم وسلامة قلوبهم لا مجرد البراعة المنطقية .

وقد أكد لنا (بول BOOLE) الرياضى الشهير بأن جميع الاستنباطات والاستنتاجات الهندسية هى فى الأصل نتيجة صلاة وابتهال وتضرع من العقل المحدود إلى الفيض اللامتناهى للوصول إلى ما أرادوا من الشؤون المحدودة وان أكبر أساطين الدين والعلم لم يكن بينهما فى الحقيقة أى نزاع ، بل النزاع لم ينشأ إلا من اتباع هؤلاء المعلمين العظماء الذين اتبعوا حرفية التعاليم والكتب فبعدوا عن روحها الحقيقية .

إذن يتسنى لنا أن نتصور دون عناء أن العلم والدين الحقيقيين يمكنهما أن يعيشا بكل ائتلاف فى ظل هذا الدين العام الذى لايوجد فيه شئ يتنافى مع العلم والبرهان ، وطبقا للتعاليم البهائية لا يسوغ الاستهانة بالامور الوجدانية لأى شخص كان . وكل فكر أو مبدأ لا يضر بالسلام العام وعالم الانسان فهو مباح مشروع .

وكما أنه من غير الممكن للطائر أن يحلق فى الفضاء بغير جناحين قويين متكافئين ، كذلك لا يمكن للعالم الانسانى العروج والتسامى نحو الرقى والكمال إلا بجناحى الدين والعلم وان اتفق وحاول الطيران والتحليق بأحدهما واستغنى به عن الآخر فمصيره الفشل والسقوط لا محالة .

فالدين الخالى عن العلم لا يلبث ان تتخلله الأوهام والأباطيل والتقليد الأعمى وكذلك العلم بدون الدين لا بد وان يولد الشقاق والنزاع والحروب الدموية .

ولا ايسر على العلم الخالى من التعليم الدينى من ايقاد نار لا يطفأ لهبها ولا تخمد شعلتها بواسطة من الوسائط وتعيا كل الحيل عن تلاقى أمرها وتدارك ضرها .

ومن أمثلة ذلك تلك العلوم المادية الاوربية الحاضرة ونتائجها من الاختراعات والاكتشافات المدمرة المهلكة التى تهدد العالم بالفناء .

وفى ذلك ما يكفى لانتباه الانسان وادراكه ضرورة الدين واثره فى تعديل الاخلاق وتحسين السلوك والاطوار وضبط المرء ومنعه عن الخروج من جادة الاعتدال .

ومن ذلك يتبين بجلاء ان الدين والعلم يتكافآن اهمية ولا يقل احدهما عن الآخر فى ذلك ويثبت ان الواجب لاجل انارة العالم كل الانارة والوقوف به على ورد الراحة والهناء هو تلقينه الامرين كليهما .

منقول من كتاب مختصر المبادئ البهائية  


ما هي المحبة

نوفمبر 5, 2010


هو اللّه

ايّها المنجذب بنفحات اللّه

قد وصلنی تحريرک الاخير

الدالّ علی فرط محبّتک لعبدالبهاء و توکّلک علی اللّه

و حسن نيّتک الصادقة فی خدمة أمر اللّه.

و نعم البيان ما کتبت فی ذلک التحرير الکريم

بأنّکم تحتاجون فی تلک الديار

الی المحبّة و الالفة بين القلوب و الارواح.

هذا هو الحقّ و ما بعد الحقّ الّا الضلال.

اعلم حقّ اليقين

انّ المحبّة سرّ البعث الآلهی

و المحبّة هی التجلّی الرحمانی

المحبّة هی الفيض الروحانی،

المحبّة هی النور الملکوتی،

المحبّة هی نفثات روح القدس فی الروح الانسانی

المحبّة هی سبب ظهور الحقّ فی العالم الامکانی،

المحبّة هی الروابط الضروريّة

المنبعثة من حقائق الاشياء بايجاد الهی،

المحبّة هی وسيلة السعادة الکبری

فی العالم الروحانی و الجسمانی،

المحبّة هی نور يهتدی به فی الغياهب الظلمانی،

المحبّة هی الرابطة بين الحقّ و الخلق

فی العالم الوجدانی،

المحبّة هی سبب الترقّی لکلّ انسان نورانی

المحبّة هی الناموس الاعظم

فی هذا الکور العظيم الالهی،

المحبّة هی النظام الوحيد بين الجواهر الفرديّة

بالترکيب و التدبير فی التحقّق المادّی

المحبّة هی القوّة الکلّيّة المغناطيسيّة

بين هذه السيارات و النجوم الساطعة فی الاوج العالی،

المحبّة هی سبب انکشافات الاسرار المودعة

فی الکون بفکر ثاقب غير متناهی

المحبّة هی روح الحيات لجسم الکون المتباهی

المحبّة هی سبب تمدّن الأمم فی هذا الحياة الفانی،

المحبّة هی الشرف الأعلی لکلّ شعب متعالی.

و اذا وفّق اللّه قوماً بها

يصلّين عليهم أهل ملأ الأعلی

و ملائکة السماء و اهل ملکوت الأبهی

و اذا خلت قلوب قوم

من هذه السنوحات الرحمانيّة المحبّة الآلهيّة

سقطوا فی أسفل درک من الهلاک

و تاهوا فی بيداء الضلال

و وقعوا فی وهدة الخيبة و ليس لهم خلال

أولئک کالحشرات العائشة فی أسفل الطبقات.

يا احبّاء اللّه

کونوا مظاهر محبّة اللّه

و مصابيح الهدی فی الآفاق

مشرقين بنور المحبّة و الوفاق

و نعم الاشراق هذا الاشراق.

يا عزيزی عليک بأن تطبع هذا الکتاب

و تنشره بين الاحباب فی أمريکا

حتّی يتّحدوا و يتّفقوا و يحبّوا بعضهم بعضاً

بل يحبّوا جميع البشر


و يفادوا أرواحهم بعضهم بعضاً.

هذا سبيل البهاء،

هذا دين البهاء و هذا شريعة البهاء.

و من ليس له هذا

فليس له نصيب من البهاء

و عليکم التحيّة و الثناء

ع‌ع

١٣ رجب سنة ١٣٢٠


لوح أحمد

جانفي 10, 2008

هذا لوح أحمد المنزل على حضرة بهاء الله

في ادرنه لأحمد اليزدي

وسوف اوافيكم بموضوع هذا اللوح

 قريبا باذن الله

انتظرونــــــي


على أعْتَابِ عَصْرٍ جَدِيدٍ

جانفي 8, 2008

يجد الجنس البشريّ نفسه، وهو على أعتاب حقبة تاريخيّة جديدة تسجّلُ نهاية ألف عام وبداية ألف عام أخرى، في أَمسّ الحاجة إلى العثور على رؤيا تقوده إلى جوهر الوحدة إنساناً ومجتمعاً. 

وطوال القرن الماضي قامت الإنسانيّة، في سعيها إلى تلبية دافع الحاجة هذه، بمحاولات أسفرت عن اضطرابات عقائديّة هزّت العالم، وهي اضطرابات يبدو أنّها تلاشت الآن واضمحلّت. 

ورغم النّتائج المخيّبة للآمال فإنَّ حدّة المشاعر التي غذَّت كفاحَ الإنسانيّة في هذا السّبيل لَدليلٌ على عمق هذه الحاجة الملحّة. 

فإنّه دون أن يملأ النّفوس إيمان مشترك برؤيا موحّدة تصوّر لنا التّاريخ في مجرى أحداثه ونهاية أهدافه، يصبحُ من غير المعقول وضع أسس مجتمع عالميّ موحّد تقرّر جماهير البشر الالتزام به.

تنبسط مثل هذه الرّؤيا واضحة المعالم في آثار بهاء الله الذي ظهر في القرن التّاسع عشر الميلاديّ كصاحب رسالة تمثّل في نشأتها ونفوذها المتعاظم أروع تطوّر في التّاريخ الدّينيّ المعاصر.

ولد بهاء الله في بلاد فارس في الثّاني عشر من شهر تشرين الثّاني (نوفمير) عام 1817م الثاني من شهر المحرم عام 1233 هـ

وفي سنّ السّابعة والعشرين أخذ على عاتقه أمراً ما لبث أن مَلَكَ نفوس الملايين من البشر من كلّ عرق وثقافة وطبقة وأمّة على وجه الأرض، فأخصب خيالهم وفاز بولائهم.

وليس لهذه الظّاهرة ما يفسّرها في عالمنا المعاصر ولكنها بالأحرى مرتبطة بتحوّلات خطيرة في مسار الجنس البشريّ عبر ماضيه المشترك. 

لقد أَعلن بهاء الله أنَّه ليس إلاّ رسولاً من الله بُعِثَ لِيلبّي احتياجات عصر بلغت فيه الإنسانيّة مرحلة النّضج، وأنّه صاحبُ ظهورٍ إلهيّ حقّق الوعود كلّها التي جاءت بها الأديان السّابقة، وأنَّ ظهوره سوف يُحيي الرّوح فيقوّي عضدَها ويُمتّن عصبَها ليتوحّد أَهل الأرض.

إنَّ بهاء الله في حياته وتعاليمه تركَ أثراً يكفي وحده، لا لشيء آخر سواه، أنْ يثير اهتماماً جدّيّاً عند كل مَنْ يؤمن بأنَّ طبيعة الإنسان روحيّة في أساسها، وأنَّ أيّ تنظيم لحياة هذا الكوكب الذي نعيش فيه، لا بدَّ وأنْ يكون ضمن مفهوم هذه الحقيقة. 

فالوثائق المثبتة مفتوحة أمامنا لكلّ من يبغي التّأكّد من صحّتها. 

إنَّه لأوّل مرّة في التّاريخ تجد الإنسانيّة في متناول يدها سجلاًّ مفصّلاً يمكن التّحقّق من صحّته، يؤرّخ مولدَ نظامٍ دينيّ مستقلّ ويشرح سيرةَ مؤسّسه.

ويَسْهُلُ بالمثل أيضاً الاطّلاع على سجلّ آخر يتعلّق بمدى نجاح هذه الدّعوة الجديدة واستجابة النّاس لها، هذا النّجاح الماثل في بروز جامعة عالميّة يمكن لها أنْ تدّعي بحقّ أنَّها تمثّل أنموذجاً مُصغَّراً لعالَمٍ توحّدت فيه جموع البشر.

بقي هذا الدّين في تطوره ونموّه محدود الانتشار نسبيّاً في العقود الأولى من هذا القرن. 

فآثار بهاء الله تُحرّم نشر الدّعوة الإِلهيّة بطريق العنف والإِكراه، كما كان الحال بالنّسبة للانتشار الواسع لعديد من الرّسالات الدّينيّة السّابقة. 

يضاف إلى ذلك أنَّ الجامعة البهائيّة وضعت في سُلَّمِ الأولويّات تأسيس مجموعات صغيرة على نطاق محليّ انتشرت في العالم. 

وبالتّالي حدّت، منذ البداية، من بروز تجمّعات ضخمة من المؤمنين في أي بلدٍ من البلدان، كما منعت هدر الطّاقات والمصادر الحيويّة لخدمة أغراض الدّعاية والإعلام، وقد أشار المؤرخ المشهور آرنولد توينبي في الخمسينات من هذا القرن – وكان قد أثار اهتمامه ظاهرة بروز دين عالميّ جديد – أنَّ الدّين البهائيّ آنذاك كان معروفاً لدى المثقّفين العاديّين من أهل الغرب بنفس النّسبة التي عُرِفَت بها المسيحيّة في قرنها الثّاني لدى الأوساط المثقّفة في الإِمبراطوريّة الرّومانيّة.

ثمَّ شهدت السّنوات القريبة الماضية تغيّراً مثيراً في هذا الوضع. 

إذ ازداد عدد الجامعات البهائيّة ازدياداً مطّرداً في العديد من البلدان، بحيث لا تخلو بالفعل الآن أيّة منطقة في العالم من جذور ممتدّة لنمط الحياة التي دعا إليها بهاء الله. 

وإنَّ الاحترام الذي بدأت الجامعة البهائيّة تكتسبه لدى الأوساط الحكوميّة والعلميّة وأوساط الأمم المتّحدة، لمشاريعها في مجالات التّنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة، يؤكّد مجدّداً ضرورة إجراء دراسة موضوعيّة جديدة للدّافع الذي يكمن خلف سياق التّحوّل والتّغيير في المجتمع الإنسانيّ، وهو التّحوّل الذي يبدو في نواحيه الخطيرة والهامّة فريداً من نوعه في العالم.

ولا مجال هناك لريبٍ حول جوهر هذا الدّافع الباعث على الحياة. 

إنَّ آثار بهاء الله تعالج مواضيع شتّى تتّسع في مداها فتشمل قضايا اجتماعيّة مختلفة كقضايا التّفرقة العنصريّة، والمساواة بين الرّجال والنّساء، ونزع السّلاح، ومسائل أخرى تمسّ لبَّ الحياة الرّوحيّة للإِنسان. 

وقد تمّت المحافظة بكلّ دقّة وعناية على النّصوص الأصليّة لتلك الآثار التي أنزلها بهاء الله والتي خطّ العديد منها بيده، وأملى غيرها على كاتب وحيه مُوثِّقاً إيّاها بنفسه أثراً من آثاره. 

وَنُفِّذَ برنامج منتظم للتّرجمة والنّشر امتدّ عدّة عقود من الزّمان سَهَّل على النّاس في كلّ مكان الاطّلاع على منتخبات من تلك الآثار مترجَمةً إلى ما يزيد على ثمانمائة لغة من اللّغات التي يتحدّث بها البشر.

منقول من كتاب بهاء الله

http://reference.bahai.org/ar/t/bic/SB/sb-4.html#pg4


الدين نور وظلام

سبتمبر 18, 2007
 

أدانَ بهاء الله بشدّة الحواجز التي أقامتها الأنظمة الدّينيّة حائلاً بين المظهر الإِلهيّ وبني البشر.  فالاعتقادات المستوحاة من الأوهام والخرافات الشّائعة والتي أُهدرَ في صقلها جهودٌ ذهنيّة وعقليّة، كانت باستمرار تُعَطِّلُ التّدبير الإِلهيّ الذي كان هدفه دائماً روحيّاً وخُلقيّاً.

فالأحكام المتعلّقة بالتّفاعل الاجتماعيّ والتي نزلت بغرض تدعيم حياة الجامعة الإِنسانيّة، تحوّلت إلى قواعد لأنظمةٍ من المذاهب والشّعائر المبهمة، وبدل أن تقوم على خدمة مصالح جماهير البشر، أصبحت، على مرّ السّنين، عبئاً ثقيلاً عليهم.  وحتّى العقل، وهو الوسيلة الأولى التي يملكها الجنس البشريّ لاكتشاف حقائق الأمور، هذا العقل عُطِّلَ إسهامه عمداً مما سبّب انهياراً للحوار بين العِلمِ والدّين، وهو أمرٌ يعتمد عليه قيام الحياة الحضاريّة.

 

ونتج عن هذا السّجلّ المؤسف من الأحوال والظّروف تشويهٌ لسمعةِ الدّين على نطاق عالميّ واسع.  والأسوأ من ذلك، فإنَّ الأنظمة الدّينيّة ذاتها أصبحت علّة من أخبث العلل في إثارة الكراهية والحروب بين الشّعوب.  لقد أنذرنا بهاءُ الله قبل ما يزيد على قرن من الزّمان، فقال:

“إنَّ الضّغينَةَ وَالبَغْضَاءَ بَيْنَ المَذاهِبِ نارٌ تُحْرِقُ العالَمَ.

وَإطْفاؤها أمرٌ جِدُّ عَسيرٍ ما لَمْ تُخَلِّصْ يَدُ القُدْرَةِ الإِلهيّةِ النّاسَ

 مِنْ هذا البلاءِ العَقيم…

(مترجم عن الفارسية)

أمّا الذين سوف يحاسبهم الله على قيام هذه المأساة، يقول بهاء الله، فهم قادة الدّين الذين تجرَّأوا على التّحدّث نيابة عن الله عبر التّاريخ.  إنَّ محاولاتهم ليجعلوا كلمة الله حكراً لهم، ومن تفسيرها وسيلةً ينالون بها لأنفسهم التّبجيل والتّعظيم، كانت أخطرَ عقبة فرديّة كافحت ضدّها الإِنسانيّة في مسيرة تقدّمها.  ولم يتورّع الكثيرون من هؤلاء في مهاجمة رسل الله أنفسهم تحقيقاً لأغراضهم ومآربهم الشّخصيّة:

“إنَّ عُلَماءَ العَصْرِ في كُلّ الأزْمانِ

كانوا سَبَباً لِصَدِّ العِبادِ وَمَنْعِهِمْ عَنْ شاطئِ بَحْرِ الأحَدِيَّةِ،

لأنَّ زِمامَ هؤلاءِ العِبادِ كانَ في قَبْضةِ قُدْرَتِهِمْ.

فَكانَ بَعضُهُمْ يَمْنَعُ النّاسَ حُبّاً لِلرِّياسَةِ،

وَالبَعْضُ الآخَرُ يَمْنَعهُمْ لِعَدَمِ العِلْمِ وَالمَعْرِفَةِ.

كَما أنَّهُ بِإذْنِ عُلَماءِ العَصْرِ وَفَتاويهِمْ

قَدْ شَرِبَ جَميعُ الأنْبِياءِ سَلْسَبيلَ الشَّهادَةِ…”

(مترجم عن الفارسية)

وفي بيان وجّهه بهاء الله إلى رجال الدّين في كلّ مذهب ينذرهم ويلفت أنظارهم إلى تلك المسؤوليّة التي تهاونوا تهاوناً خطيراً في تحمّلها على مرّ السّنين:

“مَثَلُكُمْ كَمَثَلِ عَيْنٍ إذا تَغَيَّرَتْ تَغَيَّرَتِ الأنْهارُ المُنْشَعِبَةُ مِنْها.

اتّقوا الله وَكونوا مِنَ المُتَّقينَ.

كَذلك الإِنْسانُ إذا فَسَدَ قَلْبُهُ تَفْسُدُ أرْكانُهُ.

وَكَذلِكَ الشَّجَرُ إنْ فَسَدَ أصْلُها

تَفْسُدُ أغْصانُها وَأفْنانُها وأوراقُها وَأثمارُها.

نزلت هذه البيانات من يراع بهاء الله في وقت كانت فيه حركات المحافظة على الدّين تمثّل قوّة من أهمّ القوى في العالم، فصرّح بهاء الله في هذه البيانات بالذّات بأنّ هذه القوّة قد انتهت فعلاً، وأنَّ طبقة علماء الدّين لم يعد لها بعد اليوم من دور اجتماعيّ تقوم به في التّاريخ الإِنسانيّ.

“يا مَعْشَرَ العُلَماءِ

لَنْ تَجِدُنَّ أنْفُسَكُمْ بَعْدَ اليَوْمِ أصْحابَ القُدْرَةِ وَالقُوَّةِ…”

(مترجم عن الفارسية)

وخاطب بهاء الله عَالِماً من علماء المسلمين، وكان من أشدّ الحاقدين من معارضيه، قائلاً:

“يا غافِلْ لا تَطْمَئِنَّ بِعِزِّكَ وَاقْتدارِكَ،

مَثَلُكَ كَمَثَلِ بَقِيَّةِ أثَرِ الشَّمسِ عَلى رؤوسِ الجِبالِ

سَوْفَ يُدرِكُها الزَّوالُ مِنْ لَدَى اللهِ الغَنِيِّ المُتَعالِ.

قَدْ أُخِذَ عِزُّكَ وَعِزُّ أمْثالِكَ…”

وليس تنظيم النّشاطات الدّينيّة هو المقصود في هذه البيانات، إنّما المقصود هو استغلال المصادر الدّينيّة وسوء استخدامها.  ويُجزلُ بهاء الله الثّناءَ في آثاره ليس فقط على الإِسهام الذي حقّقته النّظم الدّينيّة في نموّ الحضارات الإِنسانيّة، بل أيضاً على الفوائد الجمّة التي جناها العالم من محبّة للبشر وتضحية للنّفس ميّزت رجال الدّين والرّهبانيّات المنتمية إلى كلّ المذاهب والأديان:

“أمّا هؤلاءِ العُلَماءُ الذينَ تَزَيَّنوا حَقيقَةً بِطِرازِ العِلْمِ وَالأخْلاق،

فَهُمْ بِمَثابَةِ الرَّأسِ لِهَيْكَلِ العالَمِ وَالبَصَرِ لأهْلِ الأُمَمِ…”

(مترجم عن الفارسية)

وممّا لا ريب فيه أنّ التّحدّي الذي يواجه البشر جميعاً، مؤمنين كانوا أم غير مؤمنين، رجال دين كانوا أم أفراداً عاديّين، هو إدراك النّتائج الوخيمة التي ألمّت بالعالم بسبب فساد الدّافع الدّينيّ فساداً شاملاً.  ففي هذا الوقت الذي بعدت فيه الإِنسانيَّة عن الله طوال قرن من الزّمان، انهارت العلاقة التي تقوم عليها بِنْيَة الحياة الرّوحيّة والأخلاقيّة.

وأهملت بصورة شاملة القُدرات الطّبيعيّة الخاضعة للنّفس النّاطقة، وهي القُدرات الضّروريّة لنموّ القيم الإِنسانيَّة والمحافظة عليها:

“لَقَدْ ضَعُفَتْ قُوَّةُ الإِيمانِ وَبِنْيَتُهُ في أقْطارِ العالَمِ،

فَهُوَ يَحْتاجُ لِلدِّرْياقِ الأعْظَمِ…

وَلَقَدْ باتَتِ الأممُ كَالنُّحاسِ أصابَهُ الاسْوِدادُ

تَحْتاجُ للإِكسيرِ الأعْظَمِ…

وَلَنْ يَكونَ إلاّ في مَقْدورِ الكَلِمَةِ الإِلهيَّةِ تَغْييرُ هذِهِ الأوْضاعِ.”

(مترجم عن الفارسية)

هذا الموضوع تم نقله من كتاب باسم بهاء الله

 موجود في مكتبة المراجع البهائية العربية

http://reference.bahai.org/ar/t/bic/SB/

ميزان الإدراك الحقيقي

أوت 30, 2007

موازين الإدراك

 

إنّ موازين الإدراك أربعة لا غير كما هو مسلّم به.

يعني أنّ إدراك حقائق الأشياء إنّما يكون بهذه الموازين الأربعة:

 فالأوّل ميزان الحسّ

 وكلّ ما يدرك بالعين والأذن والشّم والذّوق واللّمس يسمّى محسوساً، وإنّ فلاسفة أوروبا اليوم يعتبرون هذا أتمّ ميزان ويقولون إنّ الحسّ أعظم الموازين ويعتبرونه مقدّساً

 والحال أنّ ميزان الحسّ ناقص لأنّه يخطئ، مثلاً إنّ البصر وهو أعظم قوى الحسّ قد يرى السّراب ماء، ويرى الصّور المرئيّة في المرآة حقيقة موجودة، والأجسام الكبيرة صغيرة، والنّقطة الجوّالة دائرة، ويرى الأرض ساكنة والشّمس متحركة إلى غير ذلك من الخطأ في كثير من الأمور، فلهذا لا يجوز الاعتماد عليه.

 

الثّاني ميزان العقل

وكان ميزان الإدراك لدى الفلاسفة الأول أساطين الحكمة، فكانوا يستدلّون بالعقل ويتشبّثون بالدّلائل العقليّة، لأنّ استدلالاتهم جميعها عقليّة، ومع وجود هذا فقد اختلفوا كثيراً وكانت آراؤهم مختلفة، حتّى كانوا يغيّرون فكرهم يعني أنّهم كانوا يستدلّون على وجود مسألة ما بالدّلائل العقليّة مدّة عشرين سنة، وبعدئذ ينفونها بالدّلائل العقليّة، حتى أنّ أفلاطون أثبت في البداية بالأدلّة العقليّة سكون الأرض وحركة الشّمس، ثم أثبت بعد ذلكبالدّلائل العقليّة أنّ الشّمس مركز والأرض متحرّكة، وبعده اشتهرت نظريّة بطلميوس ونسيت نظريّة أفلاطون بالكلّيّة وقد أحيا الرّاصد الجديد أخيراً هذا الرّأي مرّة أخرى

وحيث أنّ حضرات الرّياضيّين اختلفوا حال أنّهم جميعاً كانوا يستدلّون بالدّلائل العقليّة، وحيث أنّهم كانوا يثبتون مسألة بالدّلائل العقليّة في فترة من الزّمن ثم ينفونها أيضاً بالدّلائل العقليّة، مثال ذلك أنّ فيلسوفاً كان ثابتاً على رأي مدّة ويقيم الأدلّة والبراهين عليه وبعد مضي فترة ينصرف عن ذلك الرّأي وينفيه بالدّليل العقليّ

 إذاً تبيّن أنّ ميزان العقل ليس ميزاناً تامّاً، لأنّ اختلاف الفلاسفة الأول وعدم ثباتهم وتبديل أفكارهم دليل على أنّ ميزان العقل غير تامّ، إذ لو كان ميزان العقل تامّاً لوجب أن يكونوا جميعاً متّفقين في الرّأي متّحدين في الفكر

والميزان الثّالث ميزان النّقل

وهو النّصوص التي ينقلها النّاس من الكتب المقدّسة فيقولون جاء في التّوراة كذا، وقال في الإنجيل كذا

وهذا الميزان أيضاً ليس بتامّ، لأنّ المنقول يدرك بالعقل، وبما أنّ العقل نفسه قد يخطئ فكيف يصحّ أن يقال أنّ إدراكه لمعاني الأقوال المنقولة واستنباطها عين الصّواب وأنّه لا يخطئ في ذلك، إذ من الممكن حصول الخطأ ولذلك لا يكون هناك يقين، وهذا هو ميزان رؤساء الأديان، فما يعرفونه من نصوص الكتاب هو إدراكاتهم العقليّة التي عرفوها من تلك النّصوص لا حقيقة الواقع، لأنّ العقل كالميزان والمعاني المدركة من النّصوص كالشّيء الموزون، فإذا اختلّ الميزان فكيف يعلم قدر الموزون.

 إذاً فاعلم أنّ معتقد النّاس وما بين أيديهم يحتمل الخطأ لأنّه إذا جيء بالدّليل الحسّيّ لإثبات شيء أو نفيه فهو ميزان غير تامّ كما سبق بيانه، ولو جيء بالدّليل العقليّ فهو أيضاً غير تامّ، ولو جيء بالدّليلالنّقليّ فهو أيضاً غير تامّ

فاتّضح من هذا أنّه ليس في يد الخلق ميزان يعتمد عليه

بل إنّ الميزان الصّحيح الّذي لا شكّ فيه ولا شبهة مطلقاً هو

 

فيض روح القدس

 

والتّأييدات الإلهيّة للإنسان بروح القدس

 

وفي ذلك المقام يحصل اليقين.

 

http://reference.bahai.org/ar/t/ab/SAQ/index.html


الدعاء هو مخاطبة الله

أوت 9, 2007

يخبرنا حضرة عبد البهاء بأن (الدعاء هو مخاطبة الله) والمخاطبة تعني التحدث فعندما نصلي أو نقرأ الأدعية فإننا نتحدث مع الله العلي العظيم.

إذا أحب شخص شخصا آخر بكل صدق وإخلاص فإنه يتمنى في كل آن أن يكون في صحبة محبوبه والتحدث إليه لذلك يجب أن تكون أدعيتنا بمثابة التحدث الصادق مع الخالق عز وجل.أثناء تلاوة الأدعية نتضرع نحن الضعفاء إلى المولى عز وجل ونلتمس عونه وعنايته يجب أن نتذكر دوما بأن الأدعية عندما تكون بنية خالصة تعمل على تقريبنا لله سبحانه وتساعدنا على الورود في ساحة قدسه.

يتفضل حضرة عبد البهاء 

ليس هناك في عالم الوجود أحلى من الدعاء والمناجاة ويجب على الإنسان أن ينشغل دائما بالدعاء والمناجاة إن حالة الدعاء والابتهال هي أفضل الحالات والدعاء يعني مخاطبة الله ولاتوجد موهبة أحلى وأعظم من ذلك إذ أنها تبعث الروحانيات وتثير اليقظة والإحساسات الراقية وتجذب تأييدات الملكوت وتولد قابلية أكبر للفهم والإدراك

 و يتفضل حضرة بهاء الله :

أن اقرأ ياعبد ماوصل إليك من آثار الله بربوات المقربين لتستجذب بها نفسك وتستجذب من نغماتك أفئدة الخلائق أجمعين ومن يقرأ آيات الله في بيته وحده لينشر نفحاتها الملائكة الناشرات إلى كل الجهات وينقلب بها كل نفس سليم ولو لم يستشعر في نفسه ولكن يظهر عليه هذا الفضل في يوم من الأيام كذلك قدر خفيات الأمر من لدن مقدر حكيم.       

نحن نعلم ان الله العليم الحكيم قد خلقنا وهو يعلم مانحتاج اليه ومانريده اذا لماذا ندعوه ؟

الله سبحانه وتعالى لايحتاج إلى صلواتنا وأدعيتنا ولكن ارتقاء وسمو أرواحنا يعتمد على الدعاء والمناجاة لأن الدعاء والمناجاة غذاء الروح عندما نصلي ونقرأ المناجاة فإننا نغذي أرواحنا الغذاء الروحاني وعن طريق روابط الحب الذي يربطنا بالعوالم الإلهية نحصل على النعم والمواهب الروحانية الصلاة والمناجاة تزيد من قدراتنا على التمتع بالعطايا والمواهب الروحانية والاحساس بالسعادة الحقيقية.ان الطريق إلى الله مستقيم وشاق وقد تقف في طريقنا اشياء كثيرة ولكن عن طريق الخضوع والتبتل والخشوع الصادق والمستمر وعبودية عتبته المقدسة يمكننا ان نتفادى هذه العقبات ونهتدي إلى الصراط المستقيم وبعد الهداية فان الدعاء يساعدنا على التقدم والرقي روحانيا والتقرب إلى الله خالقنا وبلوغ مصيرنا وهدفنا الروحاني والغاية التي من اجلها خلقنا.لهذا يجب علينا ان ندعو دائما ونرتل ايات الله باستمرار وعن طريق المحبة الإلهية ترتقي وتسمو ارواحنا ونستطيع ان نسير في طريق السعادة الابدية بكل قوة واطمئنان وثبات .

يتفضل حضرة عبد البهاء:

اذا شعر احد الاصحاب بالمحبة لاخر فانه يرغب ان يقول له انه يحبه ومع انه يعرف ان صاحبه يعلم بمحبته ولكنه يريد ان يقول له ذلك فالله يعلم رغائب القلوب ولكن الدافع للصلاة امر طبيعي وهو ينشأ من محبة الانسان لله.

يجب علينا حين الصلاة والدعاء ان ننقطع عن جميع الاشياء وننسى جميع الخلق وما يدور حولنا حتى انفسنا ونركز كل افكارنا وتوجهنا إلى الله عز وجل 

ويتفضل حضرة بهاء الله في الكلمات المكنونة بقوله المبارك:

ياابن النور انس دوني وآنس بروحي هذا من جوهر امري فأقبل اليه.

ولكن نسيان دون الله ليس بأمر سهل يجب علينا بذل الجهد مع عزم وارادة لتحقيق ذلك وعندما تكون القلوب صافية وخالية من الافكار والامال الشخصية عندها تكون لدعواتنا اعظم الاثر.

تصوروا كأسا من الحليب الصافي اللذيذ نستطيع ان نستخرج منه منتجات كثيرة مثل الزبد والجبن والقشدة ولكن اذا اضفنا اليه قطرة من السم فان ذلك الحليب يتلوث ويفسد ولكونه غير صالح للاستعمال ولا نستطيع ان نستفيد منه في تحضير اي شئ السم الذي يضيفه الانسان في حياته هو الغرور وحب الذات يجب علينا ان نتخلص من هذا الغرور حتى تكون لادعيتنا اثر كبير.

هناك شرط مهم اخر يجب توافره كي نصل إلى الحالة المثالية للدعاء والمناجاة وهذا الشرط هو التوكل والاعتماد على الله يجب علينا ان نؤمن ونطمئن اطمئنانا كاملا بفضله وعنايته ونكون موقنين بان الله سبحانه وتعإلى يقدر لنا ماهو خير لنا

وفي هذا الخصوص يتفضل حضرة عبد البهاء:

اعلم انه يلزم الرجل الضعيف ان يتضرع إلى القوي ويليق لطالب الموهبة ان يبتهل إلى الواحد الوهاب العظيم فاذا تضرع الانسان إلى ربه وتوجه اليه وطلب المعونة من فيض بحره فان هذا التضرع يجلب النور إلى قلبه والضياء لبصره والحياة  لروحه والسمو لذاته ففي اثناء ابتهالك (الهي اسمك شفائي) ترى ان قلبك يبتهج بروح محبة الله ويتوجه عقلك إلى ملكوت الله وبواسطة هذا التوجه تزداد قوة الشخص ومقدرته فكلما اتسع الاناء ازداد الماء وكلما زاد العطش كانت موهبة السحاب اوفق لذوق الانسان فهذا هو سر الابتهال وحكمة احتياج الانسان لله.        

عندما نقرأ الدعاء نركز افكارنا وارواحنا في الله يجب علينا ان نتأمل قليلا قبل الشروع بالدعاء ونسعى لتحرر افكارنا من الامور المادية ثم نبدأ وكذلك عندما ننتهي من قراءة الأدعية والمناجاة يجب علينا التفكر والتأمل في الكلمات التي قرأناها لبعض الوقت قبل الشروع في عمل اخر يجب مراعاة فترة التفكر والتأمل سواء قرأنا الالواح والمناجاة بانفراد او في الجمع وعندما يقرأ شخص اخر ايات الله يجب علينا ان نستمع إلى الكلمات بكل دقة ونتفكر فيها كما لو كنا نقرا الايات بأنفسنا وندعو ربنا.

بالنسبة للدعاء للوالدين يتفضل حضرة الباب 

يجدر بالعبد ان يتضرع عقب صلاته إلى الحق طلبا لنزول الرحمة والمغفرة لوالديه حينئذ يرتفع نداء الله  ( سيكون جزاؤك آلاف ماسألت لهم فطوبى لمن يتذكر والديه في مناجاته مع ربه انه لا اله الا هو العزيز المحبوب)

ما السبب في ان تكون الصلاة فردية؟

يتفضل حضرة الباب:

ان سبب جعل الصلاة فردية هو لكي تفرغ كل اهتماماتك لذكر الله وان يحيا قلبك بروح منه ولا يحتجب عنه لا تجعل صلاتك مجرد تمتمة لسان في مدائح الله بينما قلبك غير موجه إلى الافق الاعلى ومقصد الدعاء.

ما الحكمة من وجود اماكن للعبادة؟

يتفضل حضرة عبد البهاء:

ان حكمة اقامة تلك المباني تكمن في تهيئة مكان يجتمع فيه الناس في ساعة محددة بروح المودة والانسجام وينصرفوا إلى التعبد وهذا يؤدي بدوره إلى تنمية وتقوية اواصر المحبة بين القلوب. 


ما هي الكلمات المكنونة العربية؟

جويلية 4, 2007

نزلت “الكلمات المكنونة” على ضفاف نهر دجلة من يراع حضرة بهاءالله عام 1858م تقريبا.

ويمكن اعتبار هذا السفر الرائع من النصائح والتحذيرات الإلهية دليلا شاملا للإنسان في رحلته إلى عوالم الله الروحانية.

فروح الإنسان لا تخضع لقوانين الطبيعة العاملة في الوجود المادي، بل إنها تحيا وتتحرك خاضعة لقوة الميثاق الأعظم الخالد المبرم بين الله والإنسان

 ولا تقف “الكلمات المكنونة” عند شروط هذا العهد الأبدي الذي يربط الإنسان بخالقه، ولكنها ترسم له نهجا يقوده إلى الآستقامة والإخلاص لذلك العهد.

وحتى نفهم “الكلمات المكنونة” علينا أن ندرك طبيعة الإنسان المزدوجة المكونة من قوتين متضادتين: الروحية والمادية أي الروح والجسد.

ولحضرة بهاءالله في “الكلمات المكنونة” هدف رئيس هو تنزيه الإنسان عن العالم الفاني وحماية روحه من ألد أعدائها، النفس البشرية.

وقد بيّن لنا حضرة بهاءالله في آثاره بأن العالم وما فيه خلق لمنفعة الإنسان، ويحق له امتلاك كل ما يمكنه من الخيرات والاستمتاع بمباهج الحياة المشروعة شريطة عدم التعلق بها في حال من الأحوال.

ويحث حضرة بهاءالله الإنسان في تعاليمه أن يبذل الاهتمام الكبير في حياته فيعمل على إصلاح العالم وبناء نظام جديد للإنسانية.

ويتفضل في أحد ألواحه:

“إن الذي لن يمنعه شيء عن الله لا بأس عليه لو يزين نفسه بحلل الأرض وزينتها وما خلق فيها، لأن الله خلق كل ما في السموات والأرض لعباده الموحدين. كلوا يا قوم ما أحلالله عليكم ولا تحرموا أنفسكم عن بدايع نعمائه ثم اشكروه وكونوا من الشاكرين.”

إلا أن حضرته حذر الأغنياء بقوله:

“أيها المغرورون بالأموال الفانية اعلموا أن الغنى سد محكم بين الطالب والمطلوب والعاشق والمعشوق، هيهات أن يرد مقر القرب من الأغنياء أو يدخل مدينة الرضا والتسليم منهم إلا القليل. نعمت حال غني لا يمنعه غناه عن الملكوت الخالد، ولا يحرمه من الدولة الأبدية. قسما بالاسم الأعظم إن نور ذلك الغني ليفيض علىأهل السماء كما يفيض نور الشمس على أهل الأرض.”

وكما أن الغنى قد يصبح حائلا عظيما بين الإنسان وخالقه، والأغنياء هم غالبا في خطر عظيم من التعلق بالشؤون الدنيوية فإن من يملكون القليل من متاعها هم في خطر التعلق بها أيضا.

كثيرا ما يقودنا سوء الفهم إلى الاعتقاد بأن امتلاكنا لمتاع الدنيا هو المظهر الوحيد لتعلقنا بها، إلا أن الأمر ليس كذلك. فافتخار الإنسان بإنجازاته وعلمه ومكانته ومقامه بين أفراد مجتمعه، وفي المرتبة الأولى أنانيته وحبه لنفسه، هي بعض الحجبات التي تمنع الإنسان عن ربه

 والتخلص من التعلق بشؤون الدنيا ليس سهلا بل إنه عمل شاق قد يتحول إلى صراع حقيقي يشغل الروح طوال عمر الإنسان.

أشار حضرة بهاءالله إلى نزول “الكلمات المكنونة” بما يلي:

“إن عروس المعاني البديعة التي كانت وراء أستار البيان مخبأة مستورة ظهرت بالعناية الإلهية وتجلت بالألطاف الربانية كشعاع جمال المحبوب المنير. إني أشهد يا أيها الأحباء أن النعمة قد تمت والحجة قد كملت، والبرهان قد ظهر، والدليل قد قام. فلننظر الآن ماذا تبديه همتكم من مراتب الانقطاع، كذلك تمت النعمة عليكم وعلى من في السموات والأرضين، والحمد لله رب العالمين.”

في هذا الكتاب بصفحاته القليلة المعدودة، وصف حضرة بهاءالله للإنسانية علاجا تصون به وجودها وسعادتها. وخاطب الإنسان بصوت الحق أن يملك “قلبا جيدا حسنا منيرا” وأكد على أهمية تطهيره من كل دنس لأنه محط إشراق الظهور الإلهي، داعيا إياه أن يطرد ” الغريب حتى يدخل الحبيب منزله “، وينصحه بعدم مرافقة الأشرار لأن ” مجالسة الأشرار تبدل نور الروح بنار الحسبان “، ويؤكد على خلود الروح وأن الله وضع فيها “جوهر نوره” الذي “لا يطفى”، ويجزم بثقة بأن الله “جعل الموت بشارة” للإنسان، ويؤسس ميثاقا معه لمحبته، ويفرض عليه التمسك بالإنصاف والصبر والمحبة، ويذكّره بأن ” طبيب ” كل علله “ذكر الله “، ويصف طيب التوجه إلى الله بالدعاء في الأسحار، وينصح الانسان بالانقطاع عن هذا العالم وأن لا يترك هذه “الدولة الباقية الأبدية” إلى “الدولة الفانية الزائلة”، ويوبخه على غفلته وانغماسه في أهوائه وشهواته النفسية، ويوجهه لاجتناب الغيرة والحسد والتكبر والغرور، ويعلن أن اللسان قد خلق لذكر الله فلا ينبغي أن يدنس بالغيبة والحطّ من شأن الآخرين، ويذكر أن “خير الناس الذين يحصلون على أرزاقهم بالعمل، وينفقون منه على أنفسهم وعلى ذوي قرباهم حبا لله رب العالمين”، ويشجب “النفوس المعطلة المهملة” الذين “يظهرون في الأرض بلا ثمر” ويصفهم بأنهم “شر الناس”، ويتحدث عن عظمة ظهوره ويبدي حزنه لأن نفوسا قليلة استمعت نداءه “وحتى من هذا القليل” لم يجد “ذا القلب الطاهر والنفس المقدسة إلا أقل القليل”، ويحذر الإنسان بأن “يكف” يده عن “الظلم” ويأخذ على نفسه عهدا ويقسم “ألا يتجاوز عن ظلم أحد” في هذا اليوم. ويرى “بلاء مباغتا وعقابا عظيما” يتعقب البشر بسبب ما ارتكبوه، ويهيب بالأغنياء “إنفاق مالهم على الفقراء”، وينص على أن “الغنى سدّ محكم بين الطالب والمطلوب والعاشق والمعشوق، ويرفع من شأن الغني الذي “لا يمنعه غناه عن الملكوت الخالد” بحيثإن نورذلك الغني ليفيض على أهل السماء كما يفيض نور الشمس على أهل الأرض”، ويحث كل إنسان على القيام “بالأفعال الطاهرة المقدسة“.

ويصف القوى المخزونة في الإنسان بكلماته التالية:

 “يا ابن الروح خلقتك غنيا كيف تفتقر، وصنعتك عزيزا بم تستذل ومن جوهر العلم أظهرتك لم تستعلم عن دوني، ومن طين الحب عجنتك كيف تشتغل بغيري. فارجع البصر إليك لتجدني فيكقائما قادرا مقتدرا قيوما.”

 

من كتاب ظهور بهاء الله (اديب طاهر زاده) الجزء الاول


الكلمات المكنونة العربية الجزء الثاني

جويلية 4, 2007

 


سلسلة الخلق الجديد (ترقي الروح)

جوان 19, 2007

ترقي الروح

سلسلة الخلق الجديد 

 سنكمل حديثنا عن الروح  

كما ذكرنا للإنسان حياتان : حياة الجسد و حياة الروح وبالتالي هناك نوعان من الترقي : الترقي الجسدي أو ما نسميه الترقي المادي و الترقي الروحي .

 الرقي المادي هو حدوث الاكتشافات و الاختراعات و تقدمها و تقدم الإنسان من تلك النواحي و هذا الترقي ليس سببا في تحسين الأخلاق، فنجد أن الترقي في صنع الأسلحة مثلا أدى إلى الحروب و الدمار . فالعلم–أي علم-  بدون روح يؤدي إلى هلاك الإنسان و العالم المتقدم بدون روح كجسد جميل و لكن لا حياة فيه ، فمهما بلغ الجسد من الجمال فبدون الروح هو جسد ميت لا يليق إلا للتراب.

 و لكن الرقي الروحاني و هو ترقي الروح و اكتسابها للكمالات، و قربها من الله و اكتشافها للعوالم الغيبية و عرفانها المتزايد لحضرة بهاء الله كل ذلك يجلب معه الرقي المادي.

فإذا تأملنا في تاريخ الأديان نجد أنه لم يحدث تقدم روحي للبشر إلا و كان معه تقدم مادي –مفيد للبشر- فالإسلام مثلا حول القبائل العربية من حياة الجاهلية و التخلف إلى مجتمع له تاريخ و حضارة عريقة أصبح فيما بعد مركزا  تخرج منه العلوم و المعارف للعالم كله.

 و أيضا بظهور حضرة الأعلى و حضرة بهاء الله بدأت كل الاكتشافات و الاختراعات الحديثة الهامة التي لم يحدث مثلها من قبل في تاريخ الجنس البشري .

و بالتالي تتكون الحضارة الحقيقية المفيدة للبشر باتحاد الدين و العلم أما العلم فقط فيمكنه أن يدمر البشر لأنه لا توجد روح فيه.

ولكن طالما كانت الروح هي أشرف من الجسد و أعلى منه

 لماذا اتخذته محلا لظهورها؟

 

 حكمة ظهور الروح في الجسد هي :

– ترقي الروح في هذا العالم و اكتساب الكمالات

مثل المسافر فهو عندما يزور البلاد يكتسب كمالات و خبرات و كذلك الروح فهي في حالة سفر إلى العالم الدنيوي لاكتساب الكمالات.

– ظهور آثار كمالات الروح في هذا العالم

فكما أن الروح هي سبب حياة الإنسان كذلك الإنسان هو الروح لجسد العالم فإذا لم تظهر الروح بكمالاتها في هذا العالم يكون عالما ظلمانيا حيوانيا و لكن بظهورها يصير العالم نورانيا  فلو تخيلنا العالم شجرة يكون الإنسان ثمرها و إذا تخيلناه جسدا يكون الإنسان روحه.

والروح الإنساني لا تقف عند حد و لكنها دائما في حالة ترقي مثل عقل الإنسان فمنذ الميلاد يظل عقل الإنسان يترقى و يكتسب الخبرات في كل يوم بل في كل موقف و في كل لحظة.

 كذلك الروح فهي تترقى بشكل دائم .و حتى مراتب الروح الأخرى تترقى ولكن يترقى كل منها في مرتبته فروح الجماد مهما بلغ من الرقي فلن يصل لأن يكون نباتا و تصبح له القوة النامية و النبات مهما نما لن يصير حيوانا و كذلك الحيوان لي يصير إنسانا. والإنسان أيضا يترقى في مرتبته و كل مرتبة لها مقامات لا نهاية لها من الترقي

و لكن لا تترقى الروح لدرجة الانتقال من مرتبة إلى أخرى فمهما بلغ إيمان المؤمنين الأوائل بأي رسول فلن يصل أحد منهم أبدا إلى رتبة الرسول. و مهما بلغ إيمان أي مؤمن فلن يصل إلى مرتبة المؤمنين الأوائل، فبطرس لن يصل إلى مقام المسيح و المسيحيون لن يصلوا إلى مقام بطرس. و حروف الحي(هم المؤمنون الاوائل لحضرة الباب) لن يصلوا لمقام حضرة الأعلى(حضرة الباب) ونحن لن نصل إلى مقام حروف الحي و هكذا و لكن كل روح تترقى في مرتبتها فتتنقل من مقام إلى آخر إلى ما لا نهاية.

والترقي الروحاني يتوقف على المن الإلهي بشكل أساسي ” المدعوون كثيرون و المختارون قليلون” ( إنجيل متى إصحاح22 آية 14) فإذا لم يمن الله على العبد بالترقي فلن يناله أبدا مهما فعل.

و لكن الطالب الحقيقي و الراغب بخلوص نية في الترقي و العرفان يهديه الله إلى الطريق الصحيح كما يتفضل في القرآن الكريم ” و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ” سورة العنكبوت آية 29

و الهدف من حياة الروح في هذه الدنيا

 هو اكتساب الكمالات التي تؤهلها للعيش في عوالم أوسع وأكبرمن هذا العالم. و بدون تلك الكمالات تعاني الروح، مثل الجنين في بطن الأم تكون له عينان برغم أنه لا يستخدمهما في بطن أمه و كذلك الأذنان و الأنف و اليدان و سائر الجسد فهو لا يستخدم أية حاسة من حواسه و لكنها تكون عنده جاهزة فإذا جاء موعد خروجه إلى هذا العالم وجد عنده ما يؤهله للعيش فيه بدون معاناة فيبدأ في استخدام العين و الأذن و سائر الأجزاء و لكن الطفل المعاق الذي ولد بدون جزء من أجزاء جسده فمن الطبيعي أنه لن يعيش حياة طبيعية كما يعيش السليم و سيظل طوال عمره يعاني من إعاقته.

وكذلك نحن في هذه الدنيا لدينا الفرصة لاكتساب الكمالات و الفضائل ، تلك هي الوسيلة لترقي أرواحنا فنعيش حياتنا الباقية بعد ذلك في سعادة و لكن عدم اكتساب الكمالات يؤذي الروح بعد الموت و يحرمها من الحياة الأبدية السعيدة.

ولكن هذا لا يعني أن الروح لا تترقى بعد الموت. إنها تترقى و لكن ليس بنفس الكيفية التي تترقى بها في هذه الدنيا. فأعمالنا و اكتسابنا للكمالات الإلهية في الدنيا يحدد المقام الذي ستصعد إليه أرواحنا في العالم الآخر و بعد الصعود يكون الترقي أبطأ و لا يعتمد فقط على جهود الروح .

ومفارقة  الروح للجسد هي كولادة الطفل من الأم، فالجنين لا يعرف عالما غير بطن أمه و هو سعيد فيه  و يجد كل ما يبغي و تكون عملية الولادة صعبة. و لكن عندما يولد الطفل و يرى أن هناك مكانا أوسع و أرحب و أجمل من بطن أمه فمن المؤكد أنه لن يرغب في العودة مرة أخرى إلى ذلك المكان الضيق الذي كان فيه.

وكذلك الإنسان في هذه الدنيا يتمسك بها و يشعر أنه لا مكان أجمل منها و أن الموت سيأخذه من هذا المكان الذي يحبه و ذلك رغم المعاناة التي يعانيها كل شخص في حياته و مشكلات الدنيا التي لا تنتهي إلا أن الإنسان لا يرغب في ترك الدنيا و عند الموت يبكي أحباب المتوفى و يحزنون، و لكن روح الميت تكون كالفراشة التي خرجت من شرنقة الجسد ، أو كالحبيس الذي فر من القفص فتجد عوالم واسعة لا نهاية لها بدون معاناة و لا مشاكل و لا يمكن أن ترغب أبدا في العودة إلى هذه الدنيا. و تعلشر الأرواح المؤمنة الأنبياء و الأولياء و تنكشف لها كل الحقائق الغيبية التي كانت مستورة.

وليس معنى الموت الانفصال الكامل عن هذا العالم فهناك وحدة بين هذا العالم و عالم الروح و هناك من يشعرون بذلك فمثلا هناك بعض الأشخاص الذين يفقدون بالموت أشخاصا أعزاء جدا عليهم نجد منهم من يقول مثلا أنه شعر بقريبه المتوفى معه أو أنه رآه أو سمع صوته في موقف معين و بالتالي لا يوجد انفصال حقيقي بين عالم الأحياء و المتصاعدين . وأيضا في الحلم تكون الروح ضعيفة التعلق بالبدن فيمكن أن تصل إليها إلهامات العالم الآخر و ذلك أيضا يدل أنه لا انفصال بين العالمين.

و هناك تأثير متبادل بيننا و بين المتصاعدين فهم يصلون لنا فيجب علينا نحن أيضا أن نصلي لهم و ندعو لهم بالمغفرة و الهداية و السعادة و الترقي. فالمتصاعدون يعتمدون على الأحياء بشكل كبير في ترقيهم الروحي .

 فالروح بعد الموت تترقى عن طريق :

-المن و الفضل الإلهي الذي يشمل أرواحهم ( في يد الله)

-دعاء الأحياء لهم بالمغفرة و الترقي. ( في يد العباد )

-المبرات و الخيرات الجارية باسمهم. ( في يد المتصاعد قبل موته أو أن يقوم أقرباؤه بذلك باسمه.)

و قد نتساءل عن ترقي أرواح الأطفال الذين يتوفون في سن صغيرة أو رضع و لم يقوموا بفعل أي معصية أو خطأ  فيعرفنا حضرة عبد البهاء أنهم في ظل فضل الله و أنهم مظاهر الفضل و أنهم بولادتهم اكتسبوا ميزة الترقي الروحي بل أن لهم ميزة النقاء الكامل للروح


بهاء الله

جوان 19, 2007

بهاء الله صاحب تلك الرّؤيا التي اعتبرت الإنسانيّة شعباً واحداً والأرضَ وطناً مشتركاً لجميع البشر. 

 وكان قادة العالم أوّل من أَعلن بهاء الله عليهم أخبار رؤياه تلك داعياً إيّاهم إلى الوحدة والاتّحاد قبل أكثر من مائة عام. 

 لكنّ قادة العالم آنذاك تجاهلوا دعوته وانصرفوا عنها.

أمّا اليوم فها هي آمال البشر قد تعلّقت بهذه الرّؤيا، ونحوها اتّجهت أنظار عالَمٍ يشهد انهياراً لا مفرّ منه في نظامَيْه الاجتماعيّ والخلقيّ، هذا الانهيار الذي نبّهنا إليه بهاء الله في إعلانه ذلك ووضّح أخطاره توضيحاً يبعث على الحذر والرّهبة.

 

ولد بهاء الله في بلاد فارس في الثّاني عشر من شهر تشرين الثّاني (نوفمير) عام 1817وفي سنّ السّابعة والعشرين أخذ على عاتقه أمراً ما لبث أن مَلَكَ نفوس الملايين من البشر من كلّ عرق وثقافة وطبقة وأمّة على وجه الأرض، فأخصب خيالهم وفاز بولائهم.  وليس لهذه الظّاهرة ما يفسّرها في عالمنا المعاصر ولكنها بالأحرى مرتبطة بتحوّلات خطيرة في مسار الجنس البشريّ عبر ماضيه المشترك. 

لقد أَعلن بهاء الله أنَّه ليس إلاّ رسولاً من الله بُعِثَ لِيلبّي احتياجات عصر بلغت فيه الإنسانيّة مرحلة النّضج، وأنّه صاحبُ ظهورٍ إلهيّ حقّق الوعود كلّها التي جاءت بها الأديان السّابقة، وأنَّ ظهوره سوف يُحيي الرّوح فيقوّي عضدَها ويُمتّن عصبَها ليتوحّد أَهل الأرض.

إنَّ بهاء الله في حياته وتعاليمه تركَ أثراً يكفي وحده، لا لشيء آخر سواه، أنْ يثير اهتماماً جدّيّاً عند كل مَنْ يؤمن بأنَّ طبيعة الإنسان روحيّة في أساسها، وأنَّ أيّ تنظيم لحياة هذا الكوكب الذي نعيش فيه، لا بدَّ وأنْ يكون ضمن مفهوم هذه الحقيقة.  فالوثائق المثبتة مفتوحة أمامنا لكلّ من يبغي التّأكّد من صحّتها. 

إنَّه لأوّل مرّة في التّاريخ تجد الإنسانيّة في متناول يدها سجلاًّ مفصّلاً يمكن التّحقّق من صحّته، يؤرّخ مولدَ نظامٍ دينيّ مستقلّ ويشرح سيرةَ مؤسّسه.

ويَسْهُلُ بالمثل أيضاً الاطّلاع على سجلّ آخر يتعلّق بمدى نجاح هذه الدّعوة الجديدة واستجابة النّاس لها، هذا النّجاح الماثل في بروز جامعة عالميّة يمكن لها أنْ تدّعي بحقّ أنَّها تمثّل أنموذجاً مُصغَّراً لعالَمٍ توحّدت فيه جموع البشر  

( من كتاب بهاء الله)


سلسلة الخلق الجديد (بقاء الروح وخلودها)

جوان 17, 2007

بقاء الروح وخلودها

سلسلة الخلق الجديد

الروح الإنساني باق لأن له بداية و ليس له نهاية.

 أدلة خلود الروح و بقائها

 الروح جوهر غير مركب فلا ينعدم: 

الروح جوهر لا يتحلل إلى أشياء أصغر أو أبسط منه وليس كالمركبات التي يمكن أن نحللها فنحصل على العناصر المكونة لها،  فالروح  غير مركب و بالتالي لا يمكن أن يتحلل. أما الجسد فمركب و لذلك بعد الموت يتحلل .

 الروح لا يتحول من صورة إلى أخرى و لا يتبدل فهو باقي : 

كل شيء من حولنا يتحول إذا أخذنا مثلا  الذرة في النبات نجد أن هذا النبات يأكله الحيوان فتتحول الذرة من ذرة في النبات إلى ذرة في الحيوان أو يذبل النبات و يموت فتتحلل أجزاؤه في التربة و بالتالي تتحول الذرة من ذرة في النبات إلى ذرة في الجماد ( التربة ) و الذرة في الحيوان كذلك ممكن أن تتحول إلى ذرة في الإنسان عندما يأكل الإنسان الحيوان أو يموت الحيوان فتتحول الذرة إلى التربة (الجماد ) و يخرج من التربة النبات فتصير الذرة موجودة في النبات . كذلك الإنسان يموت يتحلل إلى ذرات في التربة (جماد ) يخرج من الأرض النبات – يأكله الحيوان أو الإنسان و بالتالي تتحول الذرة من جماد إلى نبات إلى حيوان  و إنسان و هي هي نفس الذرة تحولت من صورة إلى صورة

و كانت الذرة في كل صورة لها كمال فهي في الجماد كاملة و كذلك في النبات لا يوجد فيها نقصان وفي الحيوان في أجمل صورة وفي الإنسان أكمل و أحسن. 

 يعني إذا انعدم الإنسان يصير ترابا و لا ينعدم بشكل تام و كامل بل يكون له وجود ترابي لأن الإنسان كان موجودا

و الوجود لا يصير عدما صرفا كما لا يمكن للعدم الصرف أن يصير وجودا .

عندما يتحول النبات إلى جماد نقول أنه انعدم أي أن النبات له انعدام صوري لأنه يتحول من الصورة النباتية إلى صورة أخرى ( الجمادية في هذا المثال ) و لكن النبات لم يفنى و لا يوجد مخلوق يفنى و لكن يتحول من صورة إلى أخرى أي يحدث له انعدام صوري ففناء العشب هو انتقاله من الصورة النباتية إلى الصورة الحيوانية .

 فالذرة تنتقل في جميع المراتب أي تتحد مع الذرات الأخرى لتكون عناصر أخرى و لها كمال في كل صورة و من ذلك يمكننا استنتاج أن هناك وحدة في الكون و أن كل الكائنات موجودة في كل الكائنات.

 أما الروح فلا تتحول من صورة إلى أخرى فمثلا إذا رسمنا مربعا لا يمكن أن يكون هذا المربع في نفس الوقت مثلثا و لكن إذا تخيلنا مربع يمكن أن نتخيل المثلث في نفس الوقت ( بقوة الروح) و لم نفقد المربع حتى نتخيل المثلث فالروح تملك جميع الصور في نفس الوقت و لا تنتقل من صورة إلى أخرى لذلك هي أبدية لأننا ذكرنا أنه لا يوجد فناء و الفناء هو التحول من صورة لأخرى و بما أن الروح لا تتحول من صورة لأخرى فهي باقية وخالدة.                                     

 لكل موجود أثر و المعدوم لا أثر له :

 الروح آثارها موجودة حتى بعد فناء الجسد. و كلما كانت الروح قوية كلما ظلت آثارها أكثر و كانت باهرة أكثر فإذا أخذنا مثلا روح الرسل و الأنبياء نرى أنها مازالت تؤثر حتى الآن على أتباعهم و أن آثار تلك الأرواح الخالدة موجودة و باقية حتى الآن . و الجسد مهما بلغ من الجمال و الكمال يبقى بلا ثمر بدون الروح فالجسد الجميل الذي ليس له ثمار ينعدم بموته فالبقاء الحقيقي هو للروح لا الجسد فالمعدوم تنتهي آثاره بانعدامه فالإنسان كجسد تنتهي آثاره الجسدية بفناء جسده أما آثار روحه فموجودة بقدر قوة روحه.         

 بقاء الروح غير مرتبط ببقاء الجسد :

إن الأصل هو الروح و ليس الجسد فالروح مثل الشمس والجسد مثل المرآة التي تنعكس فيها هذه الشمس ، و إذا كسرت المرآة لا تتأثر الشمس فهي باقية . أما المرآة بدون الشمس لا أهمية لها . و كذلك الروح و الجسد ، إذا انعدم الجسد لا تتأثر الروح فهي باقية بغض النظر عن بقاء الجسد. أما الجسد فلا يمكنه البقاء بدون الروح فإذا انفصلت الروح عن الجسد يفنى. و هذا يتضح لنا أثناء النوم فنحن عندما ننام تكون كل حواسنا في حالة موت ، فالعين لا ترى و الأذن لا تسمع و لا نتحرك و لا نشعر و لكن أرواحنا تنفصل جزئيا عنا و تذهب في عوالم أخرى فنرى أنفسنا نرى في الحلم رغم أن عيوننا في الواقع لا ترى و نسمع رغم عدم قدرتنا على السمع أثناء النوم و نمشي و نجري و أحيانا نطير رغم أن الجسد في الحقيقة في مكانه ولم يتحرك و أحيانا نرى في نومنا حلول لمشكلاتنا التي لم نستطع حلها أثناء اليقظة أو نرى أشياء نجدها تحدث فيما بعد تماما كما رأيناها. كل ذلك بقوة الروح. و بالتالي فالروح وجودها غير منوط بوجود الجسد و هذا دليل على بقاء الروح بعد موت الجسد.                                  

 الجسم يتغير أما الروح فلا تتغير :

في حياتنا الجسدية تتغير الأجسام فممكن أن يمرض الجسد أو يسمن أو ينحف أو يفقد عضوا من أعضائه  أما الروح لا تتغير. فإذا فقد إنسان ذراعا له مثلا لا تتأثر الروح و لا تفقد جزءا منها بفقد الجسد جزء منه. و أحيانا نرى أشخاصا أصاب جسدهم الشلل الكامل و لكن أرواحهم في غاية النشاط و الحركة . إذن فالروح لا تتغير بتغير الجسد و بالتالي فهي باقية و خالدة فإذا فني الجسد لا تفنى الروح معه.                                                                                         

 الروح موجودة معنا دائما :

فالشيء الذي يفكر معنا و يعطينا الرأي هو الروح . فكثيرا  يسأل الإنسان نفسه عن أشياء و تجيبه و حتى في أبسط الأشياء مثل ( أخرج أو لا أخرج؟ هل ارتكبت خطأ اليوم؟ ماذا أفعل الآن؟ كيف أحل هذه المشكلة؟000) و غير ذلك من الحوار الذي لا ينتهي بين الإنسان و روحه و يقول الإنسان ” أكلم نفسي ” أو ” أريد الانفراد بنفسي ” أي بالروح فالذي يعطينا الرأي و يتحاور معنا هي الروح.

أقوى دليل على بقاء الروح

 أنه لا يمكن أن يكون الله تعالى خلق كل هذا العالم عبثا و أن الإنسان لا تبقى روحه بعد الموت و لا يلقى الجزاء و العقاب و لا توجد حياة أبدية و إلا لماذا تحمل أنبياء الله و رسله كل ما تحملوه من العذاب؟ فعدم بقاء الروح منافي للمنطق .و بما أن الروح باقية و الجسد فان فالأصل في الحياة هو الروح.

فما نتيجة الحياة الجسمانية؟

و ماذا جنى الموتى من الحياة الجسمانية؟

و لنقارن مثلا بطرس و هو أحد حواريي حضرة المسيح و الامبراطور نيرون الذي كان من أقوى الأباطرة:

 فبطرس كان صيادا فقيرا بالكاد يجد قوت يومه أما نيرون فكانت له كل العزة الدنيوية الظاهرة . أما الآن بطرس له مكانة عظيمة بين كل المسيحيين و آثار روحه الباهرة موجودة بينهم   و له مكانة عظيمة في العالم الملكوتي ( عالم الأرواح) أما نيرون فكيف يتذكره الناس الآن؟ – إذا تذكره أحد أصلا- فحياته المنعمة لم تفده و أمواله لم تصنع له شيئا و لم تبق لروحه أية آثار. فمن الذي كتب له الخلود و من الذي كتب له الفناء؟ و ما هي الحياة الباقية : حياة الجسد أم الروح؟

الإنسان ذو الإحساس الروحاني لا يحتاج للأدلة لإثبات وجود الروح و بقائها أما النفوس المحرومة من الفيض الروحي فتحتاج لإقامة الأدلة المادية الخارجة عن عالم الروح. 

العالم الروحاني خير محض أما عالم الناسوت ( العالم البشري) فيه الخير و الشر و فيه النور و الظلمة.   

الروح دائما تسبب السرور أما الماديات فتسبب الحزن. فالإنسان الروحاني لا يحزن من شيء و دائما يهرب من هموم الدنيا و مشكلات العالم المادي إلى الروح فيجد السرور و يقاوم المشكلات لأنه يعلم أن الأصل هو الروح لا الجسد و أن كل تلك الحياة بمشكلاتها مؤقتة و يعلم أن الله معه و يؤيده و أن أي مشكلة هي ابتلاء و اختبار من الله له فتهون مشكلاته و يظل راضيا مسرورا.

أما الإنسان الغارق في الحياة المادية  فكيف يهرب من يأسه؟

فالغني لا يرضى بما معه و يقتله الخوف و الحرص على أمواله و الفقير يظل يسعى للغنى فلا يرضى و يفني عمره للحصول على المال فتذهب حياتهما في صراع و معاناة و تنتهي بلا ثمر.

والى لقاء اخير في سلسة الخلق الجديد مع ترقي الروح